لعبة الطمع: كيف خدع نصابو 'فيوتشر براند' (FBC) على الملايين بمليارات الجنيهات؟

بدأت القصة بموقع مزيف على تطبيق "تليجرام" يحمل اسم "فيوتشر براند" (Future Brand) أو اختصارًا FBC. كان الموقع يقدم تطبيقًا يدعي أنه يعمل في مجال الإعلانات الإلكترونية. الفكرة كانت بسيطة: تقوم بتحميل التطبيق، تودع مبلغًا من المال، وتقوم بمهام بسيطة مثل مشاركة إعلانات أو مشاهدة مقاطع فيديو، وبعد الانتهاء من المهام، تجد أن أموالك قد تضاعفت وتصل إليك عبر محفظة كاش. من وراء هذه الخدعة؟ يُقال إن شخصًا يدعى "أحمد" من محافظة البحيرة هو العقل المدبر، لكن حتى الآن لا يوجد تأكيد رسمي على هويته.
الفكرة الأساسية كانت اللعب على غريزة الطمع والرغبة في الثراء السريع. في البداية، كان النصابون يجذبون الضحايا بعوائد بسيطة وسريعة، ثم يطلبون منهم استثمار مبالغ أكبر لرفع مستوى أرباحهم. وبعد ذلك، انتقلوا إلى المرحلة الثانية: جذب أكبر عدد ممكن من المودعين. كان المطلوب من كل شخص يجري إحضار 10 أفراد، ولكل فرد نسبة معينة من الأرباح. وإذا وصل عدد الأشخاص الذين أحضرهم إلى 100 فرد، كان يحصل على 18 ألف جنيه. وهكذا، كانت الدائرة تتسع، وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يجري جذبهم، زادت الأرباح.

بالطبع، قد يبدو الأمر واضحًا كخدعة بالنسبة للكثيرين، ولكن هناك من جربوا وكسبوا، مما دفع آخرين إلى الانضمام، خاصة بعد أن رأوا أصدقاءهم أو معارفهم يحققون أرباحًا. ولكن الحقيقة كانت أن النصابين كانوا يستهدفون فئة معينة في المجتمع المصري: سكان الأقاليم، وخاصة من يمتلكون مدخرات ولكنهم يبحثون عن فرص سريعة لزيادة أموالهم.
في البداية، كان المشتركون الأوائل – الذين كانوا يعانون من صعوبات مالية بحسب شهادات معارفهم – يلبسون بدلًا فاخرة ويقودون سيارات جديدة، بعد أن أقنعوهم بأنهم أصبحوا شركاء ومديرين في شركة بريطانية عمرها 25 عامًا، تدعي أنها تعمل بشكل قانوني ولا تخدع أحدًا. وكان ذلك مقابل مرتبات عالية ونسب من الأرباح. الهدف كان جذب أكبر عدد ممكن من الأشخاص لاستثمار أموالهم في المنصة.
بدأت الخدعة تنتشر في مدن مثل سمنود وطنطا والمحلة الكبرى، واستخدم النصابون أساليب مبتكرة لجذب المزيد من الضحايا، مثل تنظيم حفلات وعزومات خيرية، حيث كانوا يستأجرون قاعات ويدعون الناس، ويوزعون هدايا مثل غسالات ومكيفات تحمل شعار المنصة. كما كانوا يستخدمون خطبًا حماسية عن مصداقية الشركة والأرباح التي حققها المشاركون، حتى أن بعض المشايخ انضموا إلى الحملة الدعائية للمنصة.
بحلول نهاية العام الماضي (قبل يناير 2025)، كانت المنصة قد جذبت ملايين المصريين. الناس الذين بدأوا باستثمارات صغيرة (مثل 300 جنيه) وحصلوا على أرباح مضاعفة (600 جنيه)، بدأوا يزيدون استثماراتهم بشكل كبير. بعضهم باع ممتلكاته، مثل شقته، أو حتى ذهب زوجته، لاستثمار المزيد في المنصة. ووصل عدد المشتركين إلى مليون شخص، واستثمر الناس مليارات الجنيهات في هذه الخدعة.
لكن المفاجأة جاءت عندما أغلقت المنصة فجأة، وهرب صاحبها بمكاسب خيالية. الضحايا الذين كانوا يتوقعون أن تتحول استثماراتهم الصغيرة إلى ملايين، وجدوا أنفسهم وقد خسروا كل شيء. بدأت البلاغات تتوالى ضد المشرفين والمديرين الذين كانوا بدورهم ضحايا للخدعة أيضًا. الفائز الوحيد كان العقل المدبر الذي ابتكر هذه الخدعة وهرب بكل الأموال.
هذه القصة تذكرنا دائمًا بأن النصابين يلعبون على غريزة الطمع، وأن الأموال السهلة غالبًا ما تكون وراءها خدعة. المنصة التي جذبت مليارات الجنيهات اختفت بلا رجعة، ولكن من المؤكد أن خدعة جديدة ستظهر قريبًا، وسيقع فيها الملايين مرة أخرى. وكما يقول المثل: "القانون لا يحمي المغفلين."