logo




آخر المشاركات

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في [ :: ملتقـــى شباب سبيـــس بــاور :: ]، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .

هاروت وماروت

فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما نُفِخ في آدمَ الروح، مارَتْ وطارت، فصارت في رأسه، فعطِس، فقال: الحمد لله رب العالمين





11-02-2025 06:47 مساءً
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما نُفِخ في آدمَ الروح، مارَتْ وطارت، فصارت في رأسه، فعطِس، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال الله: يرحمك الله))[1].

فقوله (مارت) من الْمَور؛ كقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ﴾ [الطور: 9]، وكقوله: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16]، والْمَورُ: مصدر مار يَمُور؛ وهو الشيء يضطرب ويموج ويتردد.

فمَارُوت وصفٌ به للمبالغة في المور على وزن فَعَلُوت؛ فهو مبالِغ في إيقاع الناس في التردد والاضطراب؛ كما قال سبحانه: ﴿ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ ﴾ [الأنعام: 71]، وقد يكون هذا الاضطراب حسيًّا؛ كقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة: 275].

أما هاروت، فهو من هار يَهُور هَورًا، فهو هارٍ؛ كقوله تعالى: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ [التوبة: 109].

يُقال: هار الرجل إذا سقط، وهار الرجل إذا أسقطه غيره، وهار البناء إذا هدَمه أحدٌ، وهاروت هو المبالغ في إسقاط الناس في الزَّلَل، أو في هدم بناء الأسر والمجتمعات.

فهاروت وماروت ألقاب للصفات التي عُرِفوا بها؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الخَضِر: ((إنما سُمِّيَ الخَضِر خضرًا؛ لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز تحته خضراء))[2].

ووزن (فَعَلُوت) وزن نادر في العربية، لكنه موجود؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴾ [الزمر: 17]، وقال سبحانه: ﴿ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يس: 83]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم حين استفتح قيام الليل: ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ذو الملكوت والجبروت، والكبرياء والعظمة))[3].

ولا نقول: إن هاروت وماروت هي أسماء، ولو كانت كذلك، لَما انصرفت للعلمية والعُجْمة، ولَما كان لها اشتقاق.

بل نقول: إنها ألقاب لصفات عُرِفوا بها، واللقب في الأصل ما أشعر بصفة المسمَّى أو رِفْعَتِهِ، وقد لُقِّب عيسى صلى الله عليه وسلم بالمسيح لكثرة سياحته، ولُقِّب يعقوب صلى الله عليه وسلم بإسرائيل، ومعناه عبدالله، ولُقِّب ذو القرنين لأنه بلغ قَرنَيِ الشمس - مشرق الشمس ومغربها - ولُقِّب الملك طالوت الذي زاده الله بسطة في العلم والجسم؛ قال الطاهر بن عاشور: "وهذا الملك هو الذي سُمِّي في الآية طالوت وهو شاول، وطالوت لقبه، وهو وزن اسم مصدر من الطول، على وزن فَعَلُوت؛ مثل: جبروت وملكوت، ورهبوت ورغبوت ورحموت، ومنه طاغوت أصله طَغْيُوت، فوقع فيه قلب مكاني، وطالوت وصفٌ به للمبالغة في طول قامته"[4].

وقد اختلف أهل العلم في تأويل «ما» التي في قوله: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ﴾ [البقرة: 102]، فقال بعضهم: معناه الجحد، وهي بمعنى «لم»؛ قال القرطبي في تفسيره: "قوله تعالى: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ﴾ [البقرة: 102] «ما» نفي، والواو للعطف على قوله: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ﴾ [البقرة: 102]؛ وذلك أن اليهود قالوا: إن الله أنزل جبريل وميكائيل بالسِّحر، فنفى الله ذلك، وفي الكلام تقديم وتأخير، التقدير: وما كفر سليمان، وما أُنزِل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، فهاروت وماروت بدل من الشياطين في قوله: ﴿ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ﴾ [البقرة: 102]، هذا أولى ما حملت عليه الآية من التأويل، وأصح ما قيل فيها، ولا يُلتفَت إلى سواه"[5].

وقال آخرون: بل تأويل «ما» التي في قوله: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ﴾ [البقرة: 102]، «الذي»، وهذا بعيد؛ لأن السحر عمل يُتقرَّب به إلى الشياطين، وفيه استعانة بهم، وقد حرَّم الله السِّحر في جميع الأديان؛ فقال: ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69]، ونصَّ على كفر الساحر أبو حنيفة ومالك وأحمد، وذهب الشافعي وأصحابه إلى أنه لا يكفر، إلا إذا كان في سحره شركٌ فيكفر، فكيف بمن يعلم السحر؟ يكون عليه وِزْرُه ووِزْرُ مَن عمِل به إلى يوم القيامة.

فوَصَفَ الملكين بأنهما عَصَيَا الله تبارك وتعالى بأنواع من المعاصي في الأحاديث الضعيفة التي تُروى عنهما، على خلاف وصف الله تعالى لملائكته؛ في قوله عز وجل: ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

ووصفهما بأنهما نزلا بالسحر؛ بخلاف قول الله عز وجل: ﴿ مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ ﴾ [الحجر: 8]، فقطع الله عز وجل أن الملائكة لا تنزل إلا بالحق، ولا السحر من الحق، بل كل ذلك من الباطل.

قال ابن حزم: "ومن البرهان على بطلان هذا كله قول الله تعالى، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد: ﴿ مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ ﴾ [الحجر: 8]، فقطع الله عز وجل أن الملائكة لا تنزل إلا بالحق، وليس شرب الخمر ولا الزنا، ولا قتل النفس المحرمة، ولا تعليم العواهر أسماءه عز وجل التي يُرتَفع بها إلى السماء، ولا السِّحر - من الحق، بل كل ذلك من الباطل"[6].

كما احتجَّ أبو مسلم على بطلان نزول السحر عليهما أيضًا بوجوه:
الأول: أن السحر لو كان نازلًا عليهما، لكان منزله هو الله، وذلك غير جائز؛ لأن السحر كفر وعبث لا يليق بالله تعالى إنزال ذلك.

الثاني: أن قوله: ﴿ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة: 102]، يدل على أن تعليم السحر كفر، فلو ثبت في الملائكة أنهم يعلمون السحر لزمهم الكفر، وذلك باطل.

الثالث: كما لا يجوز في الأنبياء أن يُبعَثوا لتعليم السحر، فكذلك في الملائكة بطريق الأولى؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الحج: 75].

الرابع: إن السحر لا ينضاف إلا إلى الكفرة والفسقة، والشياطين المردة، وكيف يضاف إلى الله ما يُنهَى عنه، ويُتوعَّد عليه بالعقاب، وهل السحر إلا الباطل المموَّه؟

وقد جرت عادة الله بإبطاله؛ كما قال في قصة موسى عليه السلام: ﴿ مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 81][7]، فالسحر من عمل المفسدين؛ وقد قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 28]، فالقول بأن الله أمَرَ بتعليم السحر من القول على الله بغير علم، وقد رتَّب الله شناعة الذنوب، وجعل أعلاها: القول عليه بغير علم إذا انضاف إليه الشرك؛ فقال: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33].

والله تعالى أعلم.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وسلم تسليمًا كثيرًا.


[1] صحيح الجامع: 5216.
[2] صحيح الجامع: 2364.
[3] صحيح أبي داود: 874.
[4] التحرير والتنوير: 2/ 489، 490.
[5] تفسير القرطبي: 2/ 50، 51.
[6] الفصل في الملل والأهواء والنحل: 4/ 26.
[7] مفاتيح الغيب: 3/ 629.

look/images/icons/i1.gif هاروت وماروت
  12-02-2025 10:46 مساءً   [1]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 03-01-2025
رقم العضوية : 1666
المشاركات : 3820
رصيد العضو : 2106.65
الدولة : مصر
الجنس :
الدعوات : 5
يتابعهم : 10
يتابعونه : 12
قوة السمعة : 1660
جزاك الله عنا خيرا
توقيع :Mohamed Hassan
 


:lol::no::cool:Mohamed-Hassan:lol::no::cool: 

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد




الكلمات الدلالية
هاروت ، وماروت ،










الساعة الآن 12:22 AM