وفاتها في ربيع سنة 1934 زارت مدام كوري وطنها الأم بولندا للمرة الأخيرة في حياتها؛[23][63] إذ توفيت بعد شهرين من تلك الزيارة (في 4 يوليو1934) في مصحة سانسيلموز في باسي بإقليم سافوا العليا شرق فرنسا؛ حيث كانت تعالج من فقر الدم اللاتنسجي الناجم عن تعرضها الزائد عن الحد للعناصر المشعة،[44][64] في زمن لم تكن الآثار الضارة للإشعاع المؤين قد عرفت بعد، وبالتالي لم يكن العلماء الذين يتعاملون مع تلك العناصر على دراية باحتياطات السلامة اللازمة، فلطالما حملت مدام كوري أنابيب اختبار تحوي نظائر مشعة في جيبها،[65] ولطالما وضعتها في درج مكتبها دون أن تدرك أخطارها الجسيمة. كما تعرضت للأشعة السينية من الأجهزة غير المعزولة، أثناء خدماتها التي كانت تقدمها أثناء الحرب.[51]
دفنت مدام كوري إلى جوار زوجها بيير[44] في مقبرة في سو (بالفرنسية: Sceaux)، وفي سنة 1995، نقل رفاتهما إلى البانتيون في باريس تكريمًا لإنجازاتهما العلمية، وكانت ماري كوري أول امرأة يتم تكريمها بهذه الطريقة، بل والوحيدة حتى ذلك التاريخ.[61] وقد حُفظ معملها في متحف سمي بمتحف كوري.
ونظراً لتأثر أوراقها التي ترجع إلى تسعينيات القرن التاسع عشر بالإشعاع، فقد اعتبرت مواد شديدة الخطورة،[66] وحتى كتاب الطهي الخاص بها كان مشعًا بدرجة كبيرة لدرجة أنه محفوظ مع تلك الأوراق في صناديق مبطنة بالرصاص، وتستدعي مطالعة هذه الأوراق ارتداء ملابس خاصة واقية من الإشعاع.[66] وفي عامها الأخير، كتبت كتابًا أسمته النشاط الإشعاعي، نشر عام 1935 أثرها ساهمت أعمال ومجهودات ماري كوري المادية والاجتماعية إلى حد كبير في تشكيل صورة العالم في القرنين العشرين والحادي والعشرين.[67] ويقول بيرس ويليامز الأستاذ في جامعة كورنيل :
«أحدثت نتائج أعمال كوري عهدًا جديدًا. كان النشاط الإشعاعي للراديوم عظيمًا، بحيث لا يمكن تجاهله. يبدو متناقضًا مع مبدأ بقاء الطاقة، وبالتالي أعاد النظر في أسس الفيزياء. على المستوى التجريبي، قدم اكتشاف الراديوم لرجال أمثال إرنست رذرفورد مصدر إشعاع مكنهم من التحقق من بنية الذرة. ونتيجة لتجارب رذرفورد بإشعاع ألفا، افترضت لأول مرة الذرة النووية. في الطب، قدم النشاط الإشعاعي للراديوم وسيلة أمكن من خلالها مهاجمة السرطان بنجاح.[34]»
كما ساهمت أفكار ماري كوري في الفيزياء والكيمياء، كان لها أيضًا تأثيرها العميق في المجال الاجتماعي. لتحقيق إنجازاتها العلمية، كان عليها أن تتغلب على الحواجز التي وضعت في طريقها لا لشيء سوى لكونها امرأة وأجنبية. أبرزت فرانسواز جيرو هذا الجانب من حياتها ومسيرتها في كتابها ماري كوري: قصة حياة، الذي أكد دور ماري كرائدة نسائية عرفت ماري كوري بأمانتها ونمط حياتها المعتدل.[26][67] فبعد أن حصلت على منحة صغيرة عام 1893، ردت قيمتها عام 1897 في أقرب فرصة بدأت فيها كسب المال.[10][28] أنفقت ماري معظم قيمة جائزة نوبل الأولى الخاصة بها على أصدقائها وطلابها وأسرتها وزملائها في البحث.[23] في قرار غير عادي، امتنعت ماري عمدًا عن تسجيل براءة اختراع فصلها للراديوم، بحيث يمكن للأوساط العلمية إجراء البحوث دون عوائق.[68] أصرت على وهب القيمة النقدية للهدايا والجوائز إلى المؤسسات العلمية التابعة لها.[67] كما كانت هي وزوجها عادةً ما يرفضون الجوائز والميداليات.[26] وقد وصفها ألبرت أينشتاين بأنها ربما كانت الشخص الوحيد الذي لم تفسده شهرته التكريمات والجوائز كواحدة من أشهر العلماء من النساء حتى اليوم، أصبحت ماري كوري إحدى أيقونات العلم وحظيت بشهرتها حول العالم وحتى في الثقافة الشعبية.[69] وفي عام 2009، أجرت نيو ساينتست استطلاعًا اختيرت خلاله ماري كوري أنها «المرأة الأكثر إلهامًا في العلم». حصلت كوري على 25,1 % بنحو ضعفي ما حصلت عليه روزاليند فرانكلين (14,2 %) التي احتلت المرتبة الثانية.[70][71]
أعلنت بولندا وفرنسا أن عام 2011، هو عام ماري كوري، كما أعلنته الأمم المتحدة العام الدولي للكيمياء.[72] وفي 7 نوفمبر، احتفلت جوجل بعيد ميلادها مع شعار جوجل خاص بها.[73] وفي 10 ديسمبر، احتفلت أكاديمية نيويورك للعلوم بالذكرى المئوية لجائزة نوبل الثانية لماري كوري.[74]
كانت ماري كوري أول امرأة تفوز بجائزة نوبل، وأول من يحصل عليها مرتين، والمرأة الوحيدة التي حصلت عليها في مجالين، والشخص الوحيد الذي يحصل على جائزة نوبل في مجالين علميين.[75] شملت الجوائز التي حصلت عليها:
في عام 1995، أصبحت أول امرأة يتم دفنها تكريمًا لها في مقبرة العظماء في باريس.[61] وقد سميت وحدة النشاط الإشعاعي بالكوري (رمزها Ci)، وذلك تكريمًا لها ولبيير (لم تحدد اللجنة التي وافقت على تسمية الوحدة بذلك الاسم، ما إذا كان الاسم نسبة لبيير أم ماري أم كليهما).[79] كما سمي العنصر الذي عدده الذري 96 بالكوريوم.[80] وسميت أيضًا ثلاث معادن مشعة باسم كوري: كوريتوسكوودوفسكيتوكوبروسكوودوفسكيت.[81] وسمي أيضًا برنامج زمالات الاتحاد الأوروبي للعلماء الشباب الراغبين في العمل في بلد أجنبي برنامج إجراءات ماري كوري (بالإنجليزية: Marie Curie Actions).[82] وفي بولندا، نالت درجة الدكتوراه الفخرية من معهد لوفوف للتقنيات المتعددة (1912)، وجامعة بوزنان (1922)، وجامعة ياغيلونيا في كراكوف (1924)، ومعهد وارسو للتقنيات المتعددة (1926).[72]
أطلق اسم ماري كوري على العديد من الأماكن حول العالم.[81] ففي عام 2007، أطلق على إحدى محطات مترو باريس اسم محطة بيير وماري كوري تكريمًا لهما.[81] وسمي مفاعل نووي بحثي في بولندا باسم مفاعل ماري (بالإنجليزية: reactor Maria) نسبة لها.[83] كما سميت كويكب باسم كوري 7000 تكريمًا لها. أيضًا، حملت العديد من المؤسسات اسمها، بدءًا من معهدي كوري في وارسو وباريس. إضافة إلى جامعة ماريا كوري-سكوودوفسكا في لوبلين التي تأسست عام 1944، وجامعة بيير وماري كوري في باريس، التي أنشئت عام 1971. هناك متحفان خصصا لماري كوري، ففي عام 1967 أسس متحف ماريا سكوودوفسكا-كوري في وارسو.[23] كما أصبح مختبرها في باريس متحف كوري، الذي فتح للجمهور منذ عام 1992. كانت ماري كوري محورًا للعديد من الأعمال الفنية أبرزها تمثال لها نصب عام 1935 أمام معهد الراديوم في وارسو.[23] خلال عقد من الزمن، وخلال انتفاضة وارسو عام 1944، تعرض التمثال لأضرار نتيجة إطلاق النار. وبعد الحرب، أثناء إصلاحه، تقرر ترك علامات الرصاص على التمثال وقاعدته دون إصلاح.[23] وفي عام 1955، صتع جوزيف مازور لوحة من الزجاج الملون لها، نصبت في الغرفة البولندية في جامعة بافالو.[85]
من الكتب التي خلدت سيرتها «مدام كوري» (1938) الذي كتبته ابنتها إيف.[72] وفي عام 1987، كتبت فرانسواز جيرو سيرة ذاتية بعنوان «ماري كوري: حياة».[72] وفي عام 2005، كتبت باربارا جولدسميث «العبقرية الفريدة: العالم الخاص بماري كوري».[72] في عام 2011، ظهر كتاب آخر عنها للورين ريدنيس بعنوان «النشاط الإشعاعي: ماري وبيير كوري، قصة حب وأحزان».[86]
لعب غرير غارسونووالتر بيدجون دور البطولة في الفيلم الأمريكي «مدام كوري» الذي رشح لجائزة أوسكار عام 1943، الذي كان يدور حول قصة حياتها.[62] وفي عام 1997، صدر الفيلم الفرنسي "Les Palmes de M. Schutz" عن حياة بيير وماري كوري، المأخوذ عن مسرحية تحمل نفس الاسم، ولعبت فيه إيزابيل أوبير دور ماري كوري. كرمت كوري أيضًا بوضع صورتها على الطوابع والعملات المعدنية في أنحاء كثيرة.[81] فوضعت صورتها في أواخر الثمانينيات على عملةالزولتي البولندية من فئة 20,000 زلوتي،[88] وكذلك على آخر ورقة نقدية من فئة 500 فرنك فرنسي قبل استبدال الفرنك باليورو.[89]
وفي عام 2011، مع مئوية جائزة نوبل الثانية لماري كوري رسمت جدارية على واجهة محل ميلادها في وارسو، وهو يصور الطفلة ماريا سكوودوفسكا وهي تحمل أنبوب اختبار تخرج منه العناصر الكيميائية التي ستكتشفها عندما تكبر : البولونيوموالراديوم.
توقيع :Hayam Shawky
يقولون يمكن للقلوب الدافئة أن تذيب الثلج، ولكن ما لا يعلموه أن تلك القلوب تتجمد مع مرور الوقت
وقد تتجمد هي عندما يكون الثلج قد ذاب