
ماري سكوودوفسكا كوري (7 نوفمبر 1867 – 4 يوليو 1934) عالمة فيزياء وكيمياء بولندية المولد، اكتسبت الجنسية الفرنسية فيما بعد. عرفت بسبقها وأبحاثها في مجال اضمحلال النشاط الإشعاعي وهي أول امرأة تحصل على جائزة نوبل والوحيدة التي حصلت عليها مرتين وفي مجالين مختلفين [6] (مرة في الفيزياء وأخرى في الكيمياء)، وهي أول امرأة تتبوأ رتبة الأستاذية في جامعة باريس. اكتشفت مع زوجها بيار كوري عنصري البولونيوم والراديوم وليحصلا مشاركةً على جائزة نوبل في الفيزياء، كما حصلت على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1911 بمفردها، وقد اقتسمت ابنتها إيرين جوليو-كوري وزوج ابنتها فردريك جوليو-كوري أيضًا جائزة نوبل لعام 1935.
ولدت ماري كوري باسم ماريا سكوودوفسكا في مدينة وارسو (التي كانت آنذاك تابعة لمنطقة فستولا، وهو الاسم الذي كان يطلق على بولندا تحت حكم الإمبراطورية الروسية) وعاشت فيها حتى بلغت الرابعة والعشرين. وفي سنة 1891، لحقت بأختها الكبرى برونسوافا (بالبولندية Bronisława) التي سافرت إلى باريس للدراسة.
من إنجازاتها وضع نظرية للنشاط الإشعاعي (وإليها ينسب مصطلح «نشاط إشعاعي»).[7] كما ابتكرت تقنيات لفصل النظائر المشعة، واكتشفت عنصرين كيميائيين هما البولونيوم والراديوم، وتحت إشرافها أجريت أول دراسات لمعالجة الأورام باستخدام النظائر المشعة. كما أسست معهدي كوري في باريس وفي وراسو.
خلال الحرب العالمية الأولى، أسست أول مراكز إشعاعية عسكرية. ورغم حصولها على الجنسية الفرنسية، لم تفقد ماري سكوودوفسكا كوري إحساسها بهويتها البولندية، فقد علمت بناتها اللغة البولندية، واصطحبتهم في زيارات لبولندا. كما أطلقت على أول عنصر كيميائي اكتشفته اسم البولونيوم، الذي عزلته للمرة الأولى عام 1898، نسبة إلى بلدها الأصل.[8] وخلال الحرب العالمية الأولى أصبحت عضوًا في منظمة بولندا الحرة.[9] كما أسست معهدًا مخصصًا للعلاج بالراديوم في مدينة وارسو سنة 1932 (يسمى حاليًا معهد ماريا سكوودوفسكا كوري للأورام)، والذي ترأسته شقيقتها الطبيبة برونسوافا.
توفيت ماري كوري عام 1934، بمرض فقر الدم اللاتنسجي الذي أصيبت به نتيجة تعرضها للإشعاع لأعوام.
المولد والنشأة
ولدت ماريا سكوودوفسكا في وارسو ببولندا في 7 نوفمبر 1867، وكانت ماريا الابنة الصغرى من بين خمسة أطفال لأبوين من المعلمين المعروفين برونيسلافا وفلاديسلاف سكوودوفسكي.[10] كان جدها لأبيها جوزيف سكوودوفسكي معلمًا في لوبلين، وكان من تلامذته الأديب البولندي بوليسلاف بروس،[11] والدها فلاديسلاف سكوودوفسكي كان معلمًا للرياضيات والفيزياء ومديرًا لصالتي ألعاب رياضية للفتيان في وارسو، أما والدتها برونيسلافا سكوودوفسكي فكانت تدير مدرسة داخلية للفتيات في وارسو وكانت تعاني من الدرن، الذي أودى بحياتها عندما كانت ماريا في الثانية عشرة من عمرها. كان والدها لا دينيًا، بينما كانت والدتها ـ على النقيض ـ كاثوليكية متدينة.[12] وبعد عامين من وفاة والدتها، لحقت شقيقتها الكبرى تسوفيا بوالدتها متأثرة بمرض التيفوس. ووفقًا لروبرت وليم ريد، فقد نبذت ماريا الكاثوليكية تحت صدمة وفاة والدتها وأختها، وتحولت إلى اللاأدرية.[13]

صورة تجمع الأب فلاديسلاف سكوودوفسكي وبناته ماريا وبرونسلافا وهيلينا (من اليسار إلى اليمين) سنة 1890
التحقت ماريا وهي في العاشرة من عمرها بالمدرسة الداخلية التي كانت تديرها والدتها، ثم التحقت بمدرسة أخرى للبنات تخرجت فيها في 12 يونيو 1883، ثم قضت عامًا في الريف مع أقارب والدها، وبعدها انتقلت إلى وارسو لتعمل بالتدريس الخاص. كانت عائلتا والدها ووالدتها قد فقدتا ممتلكاتهما وثرواتهما نتيجة انخراطهما في العمل الوطني، مما جعل ماريا وإخوتها يعانون ماديًا لمواصلة طريقهم في الحياة.
أبرمت ماريا مع شقيقتها برونيسلافا اتفاقًا بمقتضاه تسافر برونيسلافا لدراسة الطب في باريس على أن تنفق عليها ماريا، ثم تتبادل الأختان المواقع بعد عامين.[15] فعملت ماريا مربية لدى أسرة أحد المحامين في كراكوفيا، ثم لدى أسرة تسورافسكي (وهي عائلة ميسورة تمت بصلة قرابة إلى أبيها) في مدينة تشيخانوف، وهناك وقعت في حب أحد شباب تلك الأسرة وهو كازيمير تسورافسكي (الذي صار فيما بعد من كبار علماء الرياضيات)، غير أن أسرته رفضت زواجه من تلك الفتاة المعدمة. ولم يكن للفتى كازيمير القدرة على الاعتراض، ونتيجة لذلك استغنت الأسرة عن خدمات ماريا،[16] فاتجهت للعمل لدى أسرة فوكس في مدينة سوبوت الواقعة على بحر البلطيق في شمال بولندا، حيث قضت عامًا ولم تتخل طوال تلك الفترة عن إعانة شقيقتها ماديًا.
وفي مطلع عام 1890، وبعد شهور قليلة من زواج برونيسلافا من الفيزيائي والناشط السياسي كازيمير ديوسكي، وجهت برونيسلافا الدعوة لأختها ماريا للحاق بهما في باريس، غير أن ماريا أحجمت عن ذلك لعدم قدرتها على توفير نفقات الدراسة بالجامعة، ولرغبتها في الزواج من كازيمير تسورافسكي. فعادت إلى والدها في وارسو، حيث ظلت معه حتى خريف 1891، وبدأت في التدريس الخصوصي والتحقت بالدراسة في جامعة سرية كانت تسمى آنذاك بالجامعة العائمة، وبدأت في التدرب في مختبر متحف الصناعة والزراعة قرب مدينة وارسو القديمة، وهو المعمل الذي كان يديره قريبها جوزيف بوغوسكي، الذي سبق له العمل مساعدًا للكيميائي الروسي ديميتري مندلييف في سانت بطرسبرغ.[17]
وفي أكتوبر 1891، رضخت ماريا لإصرار أختها وقررت السفر إلى فرنسا، وخاصة بعد أن وصلها خطاب من تسورافسكي أنهى كل آمالها في الارتباط به.[12] وفي باريس، أقامت ماريا لفترة قصيرة مع أختها وزوج أختها قبل أن تقوم باستئجار حجرة بسيطة على سطح أحد المنازل[18]، وانهمكت ماريا في دراستها للفيزياء والكيمياء والرياضيات بجامعة السوربون في باريس التي التحقت بها في نهاية عام 1891.
في جامعة السوربون
كانت ماريا تواصل دراستها نهارًا وتقوم بإعطاء الدروس لتغطية نفقاتها ـ التي كانت تكفي احتياجاتها بصعوبة ـ مساءً. وفي سنة 1893، حصلت على درجة علمية في الفيزياء، والتحقت بالعمل بأحد المختبرات الصناعية، وواصلت دراستها في السوربون في نفس الوقت حتى حصلت على درجة علمية في الرياضيات سنة 1894، وهو نفس العام الذي دخل فيه بيير كوري حياتها، إذ كان يعمل بالتدريس في مدرسة الفيزياء والكيمياء الصناعية في مدينة باريس (بالفرنسية: École Supérieure de Physique et de Chimie Industrielles de la Ville de Paris - ESPCI)، وكانت ماريا قد بدأت عملها العلمي في باريس بأبحاث حول الخواص المغناطيسية لأنواع الفولاذ المختلفة، وكان الاهتمام المشترك لماريا وبيير بالمغناطيسية هو ما جمعهما سويًا.[21]زاد سفر ماريا لقضاء الصيف في وارسو من العواطف المتبادلة بينهما. وكانت ماريا تعمل تحت دافع رغبتها في العودة إلى بولندا لتمارس فيها أبحاثها في مجالها العلمي، غير أن جامعة كراكوفيا رفضت إلحاقها بالعمل لديها لمجرد كونها امرأة،[22] بعد أن أقنعتها رسالة من بيير لها بالعودة إلى باريس لمتابعة شهادة الدكتوراه،[20] وبإصرار من ماري، كتب بيير أبحاثه عن المغناطيسية، وحصل على الدكتوراه الخاصة به في مارس 1895؛ وتمت ترقيته أيضًا لدرجة أستاذ في المدرسة.[20] وفي 26 يوليو من ذلك العام، تزوجت هي وبيير زواجًا مدنيًا،[10][20] مما جعلهما مرتبطين ارتباطًا دائمًا بالعمل في نفس المختبر، وقد تشاركا هوايتي ركوب الدراجات لمسافات طويلة والسفر إلى الخارج، وهو ما زاد من تقاربهما.