شهر شعبان غالبًا ما يُغفل عنه، على رغم ما حوى من فضائلَ عظيمة، وما تضمَّنه من فرص ثمينة للتوبة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أُسوةً حسنةً لنا في استغلال كل الأوقات في الطاعات، وشهر شعبان لم يكن استثناءً، سنستعرض في هذا المقال بعضًا من دروس حياة النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان، ونستخلص منها أهمية اغتنام هذا الشهر المبارك في الزيادة من العبادات، والتقرب إلى الله عز وجل.
أولًا: زيادة النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة والصيام في شعبان:
يُروَى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضانَ، وما رأيته في شهر أكثرَ صيامًا منه في شعبان))؛ [رواه البخاري ومسلم]، هذا الحديث الشريف يُبرز لنا اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم الخاص بشهر شعبان؛ فقد كان يُكثر من الصيام فيه بشكل ملحوظ، يتجاوز ما كان عليه في الشهور الأخرى، وليس هذا الصيام مجرد امتثال لشريعة، بل هو تعبير عن إيمان عميق، ورغبة صادقة في التقرب إلى الله تعالى، وإعداد للنفس لشهر رمضان المبارك، فالصيام في شعبان يُعَدُّ تدريبًا روحيًّا وجسديًّا على صيام رمضان، ويُهيِّئ القلب والروح لاستقبال الشهر الكريم بروحانية عالية.
هذا التدريب الروحي لا يقتصر على الصوم فقط، بل يتعدَّاه إلى باقي العبادات؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرِص على قيام الليل وذِكر الله تعالى، والدعاء والتسبيح والتهجد، وكلها أعمال تقرِّب العبد إلى ربه، وتزيد من خشوعه وتقواه؛ فشهر شعبان فرصة سانحة لزيادة هذه العبادات، لتحقيق أعلى درجات التقوى والإخلاص.
ثانيًا: الاستعداد لرمضانَ من خلال شعبان:
شعبان بمثابة ممرٍّ إلى رمضان؛ فكما أن المسافر يستعد لرحلة طويلة، فكذلك المؤمن يستعد لشهر رمضان المبارك، والاستعداد لا يكون مجرد تحضير للمأكولات والمشروبات، بل هو تحضير للروح والقلب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعِدُّ نفسه لرمضان من خلال شعبان؛ بزيادة العبادات، وتنقية النفس من الذنوب والخطايا، والاستغفار والتوبة.
هذا الاستعداد يجعل من رمضان شهرًا مباركًا حقًّا، يشعر فيه المسلم بلذة العبادة، ويجني ثمارها كاملةً، أما من دخل رمضان دون استعداد، فقد يفوته الكثير من فضائله، وقد لا يحقق الأهداف المرجوَّة من هذا الشهر الفضيل، فشهر شعبان هو فرصة ذهبية للتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، والتخلص من المعاصي والذنوب، والبدء بصفحة جديدة بيضاءَ مع الله.
ثالثًا: الاعتبار بفضائلِ شعبانَ ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيه:
على رغم أن فضائل شعبان أقل شهرة من فضائل رمضان، فإنها عظيمة أيضًا؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من الدعاء في شعبان، ويدعو الله تعالى بأن يُبلِّغه رمضانَ، وهذا يدل على أهمية هذا الشهر المبارك، وأنه ليس مجرد شهر عادي، بل هو شهر فيه فرصة عظيمة للتوبة والتقرب إلى الله، والدعاء في شعبان من أفضل الأعمال؛ لأن الله تعالى كريم رحيم، يجيب دعاء عباده المؤمنين، خاصةً في الأوقات المباركة.
رابعًا: الوسطية والاعتدال في شعبان:
يجب التنبيه إلى أن زيادة العبادة في شعبان لا تعني التشدُّد والاجتهاد المفرط، الذي قد يؤدي إلى الضرر الجسدي أو النفسي؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يجسِّد الوسطية والاعتدال في جميع أفعاله، وكان يحذِّر من الغلوِّ والتشدد، فالمطلوب هو زيادة العمل الصالح بقدر المستطاع، دون إرهاق النفس أو إهمال واجبات الحياة الأخرى.
خامسًا: التوبة والاستغفار في شعبان:
شعبان فرصة ثمينة للتوبة والاستغفار، فالتوبة النصوح هي الرجوع إلى الله تعالى بعد المعصية، بنية صادقة في عدم العودة إليها، والتوبة من أعظم العبادات؛ لأنها تمحو الذنوب والخطايا، وتُعيد العبد إلى رضوان الله، والمستغفر في شعبان يُعِدُّ نفسه لرمضان، ويستقبل هذا الشهر المبارك بقلب طاهرٍ، ونفس مطمئنة.
خاتمة:
إن حياة النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان تُعَدُّ نموذجًا يُحتذى به في استغلال الفرص العظيمة للتقرب إلى الله تعالى؛ فهو لم يهمل هذا الشهر المبارك، بل كان يُكثر من العبادة فيه، ويُعِدُّ نفسَه لرمضان بروحانية عالية، وعلينا أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم في ذلك، ونستغل شهر شعبان في زيادة الطاعات والتوبة والاستغفار، ونُهيئ أنفسنا لاستقبال رمضان بقلوب طاهرة ونفوس مطمئنة؛ فإن الوقت ثمين، وكل لحظة فرصة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا للاستغفار والتوبة والعمل الصالح في شعبان وفي رمضان.