الفصل الأول..... لا أرى
منذ أن سافر زوجها بالأمس وهي تشعر بقليل من القلق، فقد اعتادت دائما أن تأتي شقيقته للعناية بها، ولكن هناك بعض الظروف التي اعاقتها عن القدوم اليوم وهناك احتمال أن تأتي في الغد، ولهذا لم تجد مفرا من أخذها لسكين المطبخ ليكون بجوارها في حال حدوث شيء ما، وما كانت تخشاه يحدث الآن، فهي تستمع الآن إلى خطوات تأتي من الخارج ولا تعرف ما الذي يجب أن تفعله، مدت يدها أسفل الوسادة ببطء لتسحب السكين الذي تخفيه أسفلها، وخرجت بهدوء دون أن تلبس شيئاَ في قدميها، كانت حركتها خفيفة على الرغم من عدم رؤيتها لشيء، فهي تحفظ كل شبر في منزلها، بل هي على استعداد لأن تخبرك بعدد خطوات كل مكان في المنزل، ولايستطيع أحد مضاهاتها في هذا الأمر، وصلت لصالة المنزل وشعرت بالشخص الغريب.
"من أنت؟" أنطلق صوتها لا إراديا شعرت بيد ذلك الشخص توضع على كتفها، وبلا شعور وبغريزة الخوف الموجودة بداخلها ضربته بالسكين دون أن تعلم أين أصابته، وبدأ هذا الشخص بالتألم وسمعته يقول، " إنه أنا أيتها العمياء البلهاء"
لم تصدق أذنيها، لقد أذت زوجها وعشقها الوحيد في تلك الحياة، بدأت التحرك سريعا نحو الهاتف وهي لا تشعر بالاتزان، تشعر انها نست الخطوات وأماكن الفرش المتناثرة بالمكان، ارتطمت بكل شيء حتى وصلت لذلك الهاتف الموجود على المنضدة، لم يعد هناك أحد يستخدم هذا الهاتف، ولكن زوجها رأي أن هذا الهاتف اسهل في الاستخدام لها من استخدام الهواتف النقالة أو العادية، طلبت الإسعاف ولكنهم تأخروا في القدوم فاتصلت بالشرطة، وتأخروا ايضاَ، لقد كان زوجها يئن تحت وطأة الألم، أهٍ لو كانت تملك نظرها، لكانت انقذته الآن، وفي النهاية طلبت منها الشرطة أن تترك الخط مفتوحا ليتمكنوا من الوصول لها، حيث أن العنوان الذي تعطيهم لهم هو عنوان خاطئ وانهيارها يؤكد أنها شخص لا يمزح.
وصلت الشرطة والاسعاف أخيرا، وقد كانت الصدمة قاتلة لها ولهم، حينما أضاء رجال الشرطة الكشافات، لتعمي الإضاءة نظرها.
كانت مازالت بالمشفى تجرى لها الاشاعات ولم تخرج من الصدمة بعد، لم تكن صدمة واحدة بل صدمتين، ضربها لزوجها بالسكين واكتشافها انها ما زالت ترى، وكانت نفس الصدمة لرجال الشرطة، فبعد وصولهم اكتشفوا عدم وجود احد على الرغم من تتبعهم للمكان بطريقة صحيحة بالتأكيد، حتى أكتشف أحد العساكر بابا سريا، وعند فتحه اكتشفوا وصولهم لشقة أخرى أسفل المنزل، ولكنها مظلمة تماما، ولا يعمل بها أي مكبس من مكابس الإضاءة، ولهذا اضطروا لاستخدام الكشافات، ولكن لم تكن تلك فقط هي المفاجئة المنتظرة، بل كان هناك العديد والعديد من المفاجئات، فتلك الشقة المظلمة نسخة بالكربون من الشقة بالطابق العلوي، حتى انه يوجد بها نوافذ، وعند فتح النوافذ تعمل بعض الآليات الميكانيكية بصورة تلقائية، وتلك الآليات تقوم ببث الحرارة المختلفة أو الهواء سواء أكان باردا أو ساخنا، وبذلك ستشعر بأنك تفتح نافذة حقيقية، كما يوجد آليات لبث أصوات من الشارع أطفال يلعبون وأناس يتحدثون وهم يتحركون، أصوات سيارات من وقت لأخر وأصوات طيور، بل هناك آلية ولكنها كانت متوقفة عن العمل لتعطي بعض رذاذ الماء او الشتاء بمعنى أكثر وضوحا مع صوت للرعد، كما وجدوا الشقة مليئة بالكاميرات التي تقوم بالتصوير بالأشعة تحت الحمراء، وكل تلك الفيديوهات تخزن في غرفة مخصصة بالشقة الرئيسية وهي تشمل عام كامل من التصوير، مع أوراق وفلاشه مكتوب بها خطوات التجربة، تجربة "كيف تجعل شخصا يرى يتحول إلى كفيف".
لقد كان الأستاذ كريم، الطبيب الجامعي يجهز لشهادة الدكتوراه وذلك للحصول على لقب دكتور ليتمكن من وضعه على بطاقته وهو مطمئن بالاَ، وهي عن المرض بالوهم، ولهذا فقد كان من اسهل الأمور له ليعلم إن كانت رسالته ستنجح أم لا هو أن يقوم بإجراء تلك التجربة بنفسه، ولم يجد سوى زوجته المصون ليجري عليها التجربة، وقام بتجهيز كل شيء، فقد أخذ قرضا ماديا وأسس ذلك المنزل، على أساس علمي ليناسب التجربة، كان الأمر صعبا له عند الدخول للمكان وادعاءه لرؤية كل شيء بالبداية، ثم بدأ في استخدام نظارة الرؤية الليلية وهكذا حل تلك المشكلة التي كانت تؤرقه، كان يدون كل ما يحدث من نتائج التجربة ويجهز عدته للأيام الأخيرة، عندما قرر قضاء عدة أيام في احد الأعمال الغير مشروعة التي يقوم بها مؤخرا، ولكن عشيقته رفضت أن تأتي لتجالس زوجته على أساس انها أخته كما اعتادت خلال عام مضى، وأصرت على الذهاب معه، وهكذا فعل، حتى قرر العودة فجأة للمنزل، وحدث ما حدث.
لقد كان حادثا غير مقصود، وغير متوقع ولكن الإصابة كانت في مقتل، فقد كانت بظهره، فلو كان قد مات كان سيكون الأمر أهون عليه، ولكنه الآن مصاب بشلل كلي، ولا يستطيع سوى تحريك عينيه، نظرت له شقيقته بتأفف، فمن الآن ستقوم على خدمته، فبالتأكيد زوجته لن تعود له بعدما علمت بما فعله بها، أما عشيقته فبعد ما حدث لها، فقد توارت عن الأنظار، وهي الأن شبه المسؤولة عنه، ولا تعرف ما يجب عليها فعله، إما أن تقوم على خدمته والتي تحتاج لتفرغ كامل، أو تدفع الكثير من المال لمن يفعل ذلك له، وهي وبكل تأكيد لن تفعل أي من هذا، تركته بالمشفى وذهبت بلا عودة على الاطلاق، وكان مٌهملا من العاملين بالمشفى والتي كان يعمل بها من قبل، كان يبكي في كثير من الأوقات، فهو لا يجد من يرعاه، تذكر ذلك اليوم عندما ارتفعت حرارته قليلاَ كيف ظلت زوجته تمرضه طوال يومين كاملين دون نوم أو تعب أو كلل، فزاد من بكاءه وتمنى لو تسامحه وتعود إليه، ولكن كيف، كيف تعود له بعد ما حدث، كيف؟؟.
مر أكثر من شهر قبل خروجها، فهي ارتكبت جريمة بالخطأ، كما أنها كانت محتجزة ويجرى عليها تجارب ممنوعة، لم يحتاج المحامي الخاص بها وقت طويل لتخرج بهدوء كشعرة تخرج من عجين ناصع البياض، كانت شقيقتها تنتظرها بالسيارة، اقتربت من السيارة واحتضنت شقيقتها ثم ركبا السيارة سويا، وبعد قليل تحدثت شقيقتها قائلة: "لقد أهملوه بالمشفى، إنه يعاني الأمرين الآن، ماذا ستفعلين".
.ردت بهدوء قائلة: سنكمل مخططنا كما هو