إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 59]؛ أما بعد:
فالاحتشام هو الستر في اللباس، شرعه الإسلام كي يحافظ المسلم على عورته أمام الآخرين، ووضع عواملَ للستر والاحتشام؛ كالحجاب، وستر العورة، والاستئذان قبل الدخول، وحدَّد لِباس الرجل والمرأة أمام المحارم وغيرهم.
لكن - يا عباد الله - ابتُلِيت بعض المجتمعات بآباء وأمهات، يَرَون أن الجلوس مع الأولاد بلباس غير محتشم أمر عادي، لهم الحرية المطلقة فيه، والسبب أنهم محارم لهم، وخاصة ما يكون من الأم أو الأخوات الكبار من لباس يكشف فيه الصدور والأكتاف والأفخاذ، أو لباس يكون ضيقًا جدًّا، أو شفافًا أو قصيرًا، وكل هذا بحجة أنهم من المحارم، وأنه يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم.
أيها المسلمون، والمشكلة ليست في اللباس أمام الأطفال الصغار دون سن التمييز؛ لأن الصغير لا يميز ما يراه، وإن كان الأَولَى التستُّر أمامه، حتى يعتاد الطفل وينشأ على حب الستر، لكن المشكلة الكبرى مع الأطفال المميزين، وتكون أكبر وأكبر عندما يكون اللباس غير المحتشم أمام الكبار؛ بنين وبناتٍ.
يقول أحد الشباب: "صرت أستحيي جدًّا عندما أذهب إلى بيتي، وأرى والدتي تجلس أمامي بلباسها الضيق (الاسترتش)، الذي يصف جسمها، وبعض الأحيان تجلس وقد بانت أفخاذها وكتفيها وصدرها، كلما رأيت مثل هذه المناظر، بدأت شهوتي تتحرك، فماذا أفعل؟".
وتقول فتاة: "تعودت أن أجلس أمام أبي وإخواني بلباس قصير، يخرج فيه الساق، وأحيانًا جزءٌ من الفخذ، أما خروج الأكتاف والصدر، فهذا طبيعي جدًّا بيننا، لكن المشكلة التي أتعبتني نظرات أخي لي، أشعر أنها تقتلني، إذا جلس بقربي يحاول لمس فخذي وكتفي، بل حاول أكثر من مرة تقبيلي بدون سبب، فماذا أفعل؟".
يا عباد الله، إن الستر نعمة من رب العالمين يمُنُّ بها على الناس، وهَتْكُ ذلك السترِ بكشف العورات، وإهمال سترها يُفضي إلى شرٍّ خطير، ويُعَدُّ وسيلة لانتشار الفواحش والأخلاق السيئة.
وأنا هنا لا أقصد أن يجلس الأب أو تجلس الأم بكامل حجابها، وأن تلبس إلا ما كان واسعًا وفضفاضًا، وأن تترك زينتها، فهذا لا يقِرُّه عقل ولا نقل؛ لأن الله سبحانه قال: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، لكن أقصد أن يتجمل الوالدان بالحياء والحشمة، خاصة أمام الأولاد، وألَّا يكون ما كُشِفَ من الجسم مثيرًا للشهوات.
يا عباد الله: إن الحياء يجعل صاحبه يجتنب كل سيئ وقبيح، وهو مفتاح لكل خير؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((الحياء لا يأتي إلا بخير))، والحياء أساس الزينة والبهاء؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((ما كان الفُحْشُ في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه)).
نفعني الله وإياكم بهدْيِ نبيه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إن ربي لغفور رحيم.