لم تكن مجرد رحلة عادية، ولم تكن مجرد تسرية بل لقد كانت معجزة؛ معجزة بكل ما في الكلمة من معنى معجزة تتحدى كل قوانين الزمان والمكان معجزة تتحدى سرعة الصوت والضوء، بل تتحدى سرعة البرق ذاته معجزة تتحدى كل علماء الفيزياء، وتتحدى كل قوانين الإنسان بل، إنها معجزة تتحدى كل قوانين الكون فهي معجزة من خالق هذا الكون إنها معجزة الإسراء والمعراج عام الحزن عندما يحبك شخص ما بلا قيد ولا شرط، فستحزن عندما يفارقك هذا الشخص فما بالك بشخص على استعداد للوقوف أمام الكون من أجلك يشد من عضدك يفديك بروحه وماله، كيف سيكون حزنك كإنسان عادي هكذا كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، عندما فارقه عمه أبا طالب الذي كان أبيه الثاني، عمه الذي رباه منذ وعت عيناه على تلك الحياة، ليجد نفسه يتيماً بلا أب وسرعان ما تفارقه أمه، ليكون لا معين ليه من البشر سوى جده والذي يفارقه أيضاً سريعاً ليترك في رعاية عمه، ليكون الأب والأهل والمرشد له، ليكبر ويصير رجلاً، ويتزوج من زوجته وأم ابناءه خديجة بنت خويلد، ثاني شخص هام بحياته، أحبته وأحبها وأهتمت به وأهتم بها، وأمنت به قبل أن يؤمن به أي شخص أخر فهي لم تكن فقط أولى النساء اللواتي أسلمن، بل لقد كان أول من أسلم على الإطلاق ساعدته بمالها في دعوته، ظلت بجانبه عندما حوصر في الجبال كان الأثنان هما أهم الأشخاص في قلبه، وقد رحل الأثنان واحداً تلو الأخر ففي العام الثاني عشر للبعثة النبوية، توفي أبا طالب تاركاً الحزن يرسم خطوطه داخل قلب النبي صلوات الله عليه ولم يشفِ قلب النبي أو حتى يكد يشفى حتى انتقلت أم المؤمنين إلى خالقها، لتترك قلب النبي يشعر بالوحدة مرتسماً به خوط حزن أقوى مما يتوقع، فقد رحلت رفيقة عمره، وحبيبة قلبه، والمرأة التي كانت خير معين له وكان هذا الحزن شديداً عليه، حتى سمي العام الثاني عشر بعام الحزن، ولكن وعلى الرغم من هذا الحزن الذي يعتمل بقلب النبي المعظم، إلا أنه كان لديه ما هو أهم مما يعتمل داخل قلبه، إنها الرسالة التي يجب أن يبلغها على أكمل وجه، ولهذا فقد كان لزاماً عليه أن يكمل مسيرته التي كلفه بها المولى عز وجل رحلة الطائف تزيد الحزن ذهب النبي الكريم صلوات الله عليه إلى الطائف لدعوة أهلها للإسلام، ولكن ليس فقط ان أهلها لم يستقبلوه استقبالاً جيداً حتى ولو كعابر سبيل مر بهم، بل؛ لقد طردوه أمروا غلمانهم وأولادهم برميه بالطوب حتى تأذى جسده الشريف ونزف، فجلس النبي صلوات الله عليه ودعا الله شاكياً "اللهم لمن تكلني" فاستجاب الله له وأرسل له رسوله الأمين جبريل عليه السلام، ومعه ملك الجبال والذي أخبره بأن المولى عز وجل أمره بأن ينفذ فيهم ما يريده رسول الله، فإن أراد أطبق عليهم الجبلين، ولكن النبي الرحيم رفض قائلاً "لا؛ لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله" فأراد الله أن يسري عن عبده رحلة الإسراء والمعراج الغسل والحكمة كان النبي صلوات الله عليه بين النائم واليقظان عندما جاءه رجلين بطست من ذهب، ملئ حكمة وإيمان، ثم شق جسده من النحر لأوائل البطن، ثم غسلت بطنه بماء زمزم ثم ملئ جسده بالحكمة والإيمان رحلة الإسراء الإسراء تعني المسير ليلاً من مكان لمكان أخر، ومنها جاء لقب سيدنا يعقوب عليه السلام ثم أخذه جبريل بعد ذلك للخارج في رحلة أمر بها المولى عز وجل فرأي النبي أما منزله دابة دون البغل وأعلى من الحمار، لونها أبيض، لديها جناحان في فخذيها تحث بها قدميها طلب جبريل عليه السلام من النبي أن يركب الدابة، ولكن الدابة أبت، فأندهش النبي، ولكن تلك الدابة أخبرت النبي أنه يمكنه ركوبها، ولكن لها طلب تطلبه منه أولاً، فسأل النبي تلك الدابة والتي علم أن اسمها البراق عن طلبها فقالت أشفع لي عن ربك، فوعدها النبي ركب النبي البراق، والذي كان أسرع من البرق ليجد نفسه بالفعل في بيت المقدس "القدس" بفلسطين والذي يبعد عنه مكة مسيرة شهر تقريباً، وكان في استقباله هناك كل من نبي الله إبراهيم ونبي الله موسى ونبي الله عيسى عليهم وعلى نبينا أفضل صلاة وسلام وأمهم النبي الكريم للصلاة ثم جاء إليه جبريل عليه السلام بوعائيين أحدهما به خمر والأخر به لبن وقيل في رواية أخرى أن جبريل عليه السلام جاء إليه بثلاثة أوعية خمر، لبن، ماء في الحالتين أختار نبي الله اللبن فقال له جبريل عليه السلام "هديت للفطرة، وهديت أمتك يا محمد" ثم تختلف الرواية هنا مرة أخرى حيث يقال أن جبريل بعد أن قال للنبي هذا قال أيضاً "وقد حرمت عليكم الخمر" وفي الرواية الأخرى قيل أنه أكمل قائلاً ما معناه "لو كنت أخترت الخمر لغرقت أمتك في المعاصي، ولو كنت اخترت الماء لغرقت أمتك" رحلة المعراج ثم بدأت رحلة المعراج وصولاً لسدرة المنتهى حيث صعد مع جبريل عليه السلام إلى السماء الأولى وطرق باب الجنة فسأله الحارث، من هذا فرد جبريل عليه السلام: جبريل فسأل من معك فقال جبريل معي محمد فسأل: وهل بعث؟ فقال نعم فجاء الرد من الداخل: مرحباً به ونعم المجيء ودخل الجنة وقابل آدم عليه السلام والذي حياه قائلاً: مرحباً بك من ابن ونبي ثم بدأ الصعود لسماء تلو الأخرى، ويسأل ذات الأسئلة ويقابل أحد الأنبياء فنجده يقابل عيسى ويحيى عليهما السلام في السماء ليرحبا به قائلين مرحباً بك من أخ ونبي ويقابل في السماء الثالثة سيدنا يوسف عليه السلام ثم في السماء الرابعة يقابل إدريس عليه السلام وفي الخامسة يقابل هارون عليه السلام وفي السادسة يقابل موسى عليه السلام ويرحب به الجميع "مرحباً بك من أخ ونبي" وتجاوز النبي موسى عليه السلام ليكمل رحلته للسماء السابعة ولكن موسى عليه السلام بكى فقيل له من المولى عز وجل "ما الذي يبكيك؟" فقال "يا رب؛ هذا الغلام الذي بعث بعدي؛ يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتى" ثم يصعد السماء السابعة ويقابل إبراهيم عليه السلام ليرحب به "مرحباً بك من ابن ونبي" ثم يصعد للرحمن، ويقف جبريل عليه السلام ولا يتابع وعندما يسأله النبي صل الله عليه وسلم يخبره أنه لا يستطيع الصعود أكثر من ذلك فريضة الصلاة وفي تلك الرحلة قد فرضت الصلاة على المسلمين، وقد كانت خمسين صلاة بالبداية وعندما نزل النبي عليه الصلاة والسلام سأله موسى عما فرض على أمته فأخبره النبي فقال له "أنا أعلم بالناس منك" وأخبره انه هكذا سيشق على أمته وطلب منه العودة للمولى عز وجل ليسأله التخفيف فعاد النبي للمولى عز وجل، فخففت ل 40 صلاة في اليوم، ولكن موسى عليه السلام أخبره النبي الكريم أن يطلب من الله التخفيف، فخففت ل 30 صلاة في اليوم، وظل الأمر هكذا حتى وصلت ل 10 صلوات، وعندما أخبر موسى عليه السلام النبي الكريم أن يسأل التخفيف؛ قال النبي "أنه طلب كثيراً، ويستحي ان يطلب مرة أخرى" ولكنه سمع صوت المولى عز وجل يقول ما معناه "أذهب يا محمد قد فرضت على أمتك 5 صلوات بحسنات 50 صلاة" ثم هبط النبي المعظم من السماء وركب البراق، وعاد إلى منزله، وكان فراشه دافئاً وكأنه لم يتحرك من فوقه قط الاختبار عاد محمد صلوات الله عليه، وفي اليوم التالي بدأ يحدث أتباعه عما حدث له في الليلة الماضية، فأنقسم المؤمنون به بين مصدق لما قال وبين مكذب له وهؤلاء هم من ارتدوا عن الإسلام وقتها، لقد كانت تلك الرحلة وكأنها مصفاة لفرز المؤمنين ممن أتبع النبي صلوات الله عليه أما المشركين من أهل قريش فقد أساءوا للنبي كما اعتادوا وأكثر، بل لقد كانوا يصفقون ويصفرون وهو يتحدث ويحكي عن رحلته المعجز أمس فلم تكن المعجزة بالنسبة لهم في الإسراء والمعراج فهم لم ينتبهوا كثيراً، لأن المستحيل بالنسبة لهم كيف له أن يذهب لبيت المقدس ويعود في ليلة واحدة الصديق أبا بكر لم يكن أبا بكر وقتها يحمل لقب الصديق بعد، ولكن لقد حصل عليها في ذلك اليوم الذي ارتد فيه بعض المسلمين عن الدين وهنا أيضاً ترد روايتان في هذا السياق، عندما أخبرت قريش أبا بكر ذهب للنبي يسمع له، وكلما قال النبي شيئاً قال أبا بكر صدقت فسأله النبي ما معناه "ألا يراودك الشك يا أبا بكر" ليقول أبا بكر "أنا اصدقك في نزول الخبر إليك من السماء وهو أعظم أفلا أصدقك فيما هو أقل" فسماه النبي الصديق في ذلك اليوم الرواية الأخرى تقول ذهب القرشيين إلى أبا بكر وقالوا له "يا أبا بكر؛ صاحبك محمد يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس وصلى فيه وعاد إلى مكة" فقال أبا بكر "أنكم تكذبون على رسول الله" فقالوا "بلى؛ ها هو الرسول في المسجد يحدث الناس بما حدث معه" فقال أبا بكر "والله لئن كان قال هذا الكلام فقد صدق؛ فما العجب في ذلك؟ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون" ثم ذهب على النبي صل الله عليه وسلم، وسأله ان يصف له بيت المقدس قيل إن النبي لم يكن قد أنتبه على شكل المسجد، فجاء جبريل حاملاً إياه على يده وبدا النبي في وصفه وهو فقط من يراه أمامه ويرى كامل تفاصيله
الختام لقد كانت تلك الرحلة معجزة الزمان والمكان، المعجزة التي توقف فيها الوقت عن المضي قدماً ولو لثواني كانت المعجزة التي أصطفى بها المؤمنون الأوائل بعد أن ارتد الكثير، وكانت الليلة التي فرضت فيها الصلاة وسرى عن النبي الكريم لينسى أحزانه التي خطت داخل قلبه من قبل، وليستعد في رحلته لإبلاغ الرسالة لطريق كان ما يزال طويلاً ومليئاً بالصعاب في ذلك الوقت، لم يكن فقط طريق لإبلاغ الرسالة، ولكن لبناء مجتمع جديد، مجتمع يجمع بين بعض قيم وأخلاق الماضي وقيم واخلاق جديدة تماماً ستغير هذا المجتمع لزمن طويل
فكل عام وأنتم وكل الأمة الإسلامية بخير
تم تحرير الموضوع بواسطة :Hayam Shawky
بتاريخ:27-01-2025 10:59 صباحاً
توقيع :Hayam Shawky
يقولون يمكن للقلوب الدافئة أن تذيب الثلج، ولكن ما لا يعلموه أن تلك القلوب تتجمد مع مرور الوقت
وقد تتجمد هي عندما يكون الثلج قد ذاب