اتجاه أبنائها
قال تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. قال السعدي في تفسيره: أي: “يا من مَنَّ الله عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه. فـقُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، والقيام بأمره امتثالًا، ونهيه اجتنابًا، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته…”.
يقول المرشد عبد السلام ياسين في هذا الصدد: “وإلى المؤمنات وَكَلَ رب الخلق سبحانه تربية الأجيال. فأحسنت محسنة إلى نفسها، وبنَتْ آخرتها، وخطت خطواتِ قرب من ربها بإحسان ما وُكِل إليها” (تنوير المومنات، 58/2).
وهذه المناسبة (الأشهر الحرم) من أفضل المناسبات لتقريب الأبناء من دينهم وتحبيبهم في خالقهم سبحانه وتعريفهم بالأنبياء وبسنة نبيهم.
– ففي شهر رجب: الإسراء والمعراج، واسترداد بيت المقدس..
– وفي شهر ذي القعدة: صلح الحديبية، وعمرة القضاء.
– وفي ذي الحجة: فضل الأيام العشر وعرفة والعيد وسنة الذبح، وقصة سيدنا إبراهيم وولده بما تحمله من معاني الإيمان والطاعة والتسليم.
– وفي المحرم: عاشوراء وفضلها.
فعلى المومنة أن تعيش هذه المناسبات كما يحب الله ورسوله، وتستثمر هذه الفرص لتحبب لأبنائها دين ربهم، وتعرفهم ما فرض عليهم منذ نعومة أظافرهم.
ج- اتجاه الأقارب والجيران
قال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ [البقرة: 177].
آية البر من سورة البقرة دلتنا على أبواب البر، وبينت الأهمية القُصوى لإسداء الخير إلى الناس، وعلوّ مرتبة الإحسان إلى الخلق عند الله.
قال المرشد رحمه الله: “أرأيتِ أختَ الإيمان كيف ذكرت أعمال البر مباشرة بعد الإيمان القلبي بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين، وقبل الصلاة والزكاة؟ من صلت صلاتها وزكت فرضها فهي مؤدية لواجب عيني تحاسب عليه. أما من تبرعت بمالها وحنان قلبها على المحتاج من قريب ومسكين وسائل فقد أسْهمت في القيام بفرض كِفائيٍّ متعلق بذمّة الأمة، فارتفعت بذلك مرتبة عملها إلى أعلى. المصلية المزكية فرضَها ما عدَت أنْ بنَتْ أركان بيت إسلامها. أما المحسنة إلى الخلق المجاهدة بمالها وحنانها فهي تبني في صرح دين الأمة. بذلك كان لها الفضل” (تنوير المومنات، 2/56).
روى الأئمة مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من نَفَّس عن مؤمن كُربة من كُرَب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كُرَب يوم القيامة. ومن يسر على مُعسر يَسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستَر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”. وهذه الأشهر الحرم مناسبة عظيمة لتحقيق هذا التآزر والتعاون، وفرص البر كثيرة لا تحصى ولا تعد ولكن الذي يحول بيننا وبينها هو الكسل والخمول واللامبالاة. يقول المرشد رحمه الله: ”… ويسبقني أنا الساكت الأخرس، أو البخيل بخطواتي ومواساتي سابق يبلغ ويأخذ باليد فينال جزاء من هدى الله به. وإن الهداية هدايات: كافر يدخل الإسلام مهتديا، ومسلم يخطو نحو الإيمان مقتفيا، ومؤمن يرتقي صحبتك مرتديا حلل القرب من الله عز وجل. ذلك الفوز الكبير. لأن يهدي الله بك رجلا واحدا… سنة مؤكدة” (رسالة لمجالس النصيحة). وفي هذه الأشهر، لهو خير مما في سواها، خير مما طلعت عليه الشمس مضاعف.
وأختم بهذا الحديث الذي روته امرأة عن امرأة، فأحاديث الرفق ترويها النساء، عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: سمعت عائشة تقول: دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقي، قالت: فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم ويجملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ أو كما قال، قالوا: يا رسول الله نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم، فكلوا وتصدقوا وادخروا”.
فاللهم ارحمنا برحمتك. وارحمنا بالمرحوم فينا. والحمد لله رب العالمين.