[ :: ملتقـــى شباب سبيـــس بــاور :: ]
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://spacepower.site/index.php?page=topic&show=1&id=10208
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

أنتِ السكن
ريوزاكي 13-03-2025 09:42 صباحاً
بعد يومِ سفرٍ شاقٍّ وصلت منى أخيرًا إلى البيت، أخذ الإجهاد منها كلَّ مأخذ، بدلت ملابسها وجرت على سريرها الوثير، وارتمت على فراشها الناعم، واحتضنت وسادتها، كأنها طفلتها التي ضاعت منها وللتو وجدتْها.

 

كم كانت تُمنِّي نفسها طول الطريق أنها سترجع للبيت، وترتاح من عناء السفر!

 

فلا يرتاح الإنسان إلا في بيته: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴾ [النحل: 80].

 

فيا لها من نعمة عظيمة لا نشعر بها إلا عندما نفقدها؛ نعمة السكن!

 

نأوي إليه بعد التعب، نرتاح فيه من ضوضاء الحياة، نسترخي فيه من زحام المشاغل، نستعيد فيه نشاطنا لنواصل من جديد حياتنا بنفس هادئة، ننسى فيه عناء أعمالنا، وتقر فيه أعيننا، وتسكن من تزاحم الصور خارجه.

 

لا تعلم مُنى لماذا تذكرتْ وقتها قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

 

تذكرت خاصة هذه الكلمة ﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾ [الروم: 21].

 

يقول السعدي في تفسيره:

"ومن آياته العظيمة كذلك الدالة على قدرته ووحدانيته أن خلق لأجلكم ء أيها الرجال ء من جنسكم أزواجًا؛ لتطمئن أنفسكم إليهن للتجانس بينكم، وصيَّر بينكم وبينهن محبة وشفقة، إن في ذلك المذكور لَبراهينَ ودلالاتٍ واضحة لقوم يتفكرون؛ لأنهم الذين يستفيدون من إعمال عقولهم".

 

وتذكرت أيضًا قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 189].

 

قال السعدي في تفسيره: "هو الذي أوجدكم ء أيها الرجال والنساء ء من نفس واحدة هي آدم عليه السلام، وخلق من آدم عليه السلام زوجته حواء، خلقها من ضلعه؛ ليأنس إليها، ويطمئن".

 

قال ابن عباس: "يريد: ليأنس بها ويأوي إليها".

 

قالت في نفسها:

هل أنا حقًّا سكن لزوجي؟

هل يأنس بي عندما يعود من عمله متعبًا؟

هل تقر عينه بي بعد كل الفتن التي يراها خارج البيت؟

هل يجد في البيت الهدوء والسكينة والطمأنينة، بعد صخب يوم طويل أو العكس؟

هل أنا له بلسمٌ أُزيل عنه همومه ومتاعبه بكلماتي المشجِّعة المقدِّرة لمجهوده أو العكس؟

هل تترنم أذنه بصوتي بعد أن كانت تتشتت من الخضوع بالقول ممن يعملن معه؟

هل يسكن فؤاده إليَّ فيبث إليَّ شكواه وأحزانه؟

هل ينعم بلمساتي الحانية بعد أن كاد يطيش مما يرى خارج بيته؟

 

هل أوفِّر له كل معاني السكن الروحي والنفسي والعقلي والجسدي، أو لا؟

 

وإن كان لا، فلماذا تغيرت هذه الفطرة التي خلقها الله فيَّ بأن أكون سكنًا له؟ ولماذا لا أستعيد هذه الفطرة؟

 

لماذا لا أقتدي بأمي خديجة عندما كانت سكنًا للنبي عليه الصلاة والسلام، فجزاها الله وبشَّرها ببيت في الجنة، لا صخب فيه، ولا نصب؟

 

قال صاحب كتاب (الروض الأنف في شرح السيرة النبوية): "وأما قوله: ((لا صخب فيه ولا نصب))، فإنه أيضًا من باب ما كنا بسبيله؛ لأنه عليه السلام دعاها إلى الإيمان فأجابته عفوًا، لم تحوجه إلى أن يصخب كما يصخب البعل إذا تعصَّت عليه حليلته، ولا أن ينصب، بل أزالت عنه كل نصب، وآنسته من كل وحشة، وهوَّنت عليه كل مكروه، وأراحته بما لها من كل كدٍّ ونصب، فوصف منزلها الذي بُشِّرت به بالصفة المقابلة لفعالها وصورته".

 

لماذا لا أكون خيرَ متاعٍ لزوجي؟

عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة))؛ [رواه مسلم].

 

لماذا لا أكون خير النساء؛ إذا أمرني أطعتُه، وإذا نظر إلى أسرُّه؟

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه سُئل عن خير النساء، فقال: ((التي تطيع زوجها إذا أمر، وتسره إذا نظر، وتحفظه في نفسها وماله))؛ [حديث صحيح].

 

لماذا لا أترك الجدال والشقاق والحِدَّة في الردِّ؟

لماذا لا أدَعُ الغِلظة والصوت المرتفع والصراخ الذي ينافي السكن الذي خلقني الله عليه؟

لماذا لا أدَعُ العصبية والقلق والمثالية المفرطة في التعامل معه؟

 

لماذا لا أعود لأنوثتي وفطرتي وأكون أنا السكن له؟

 

ومنذ ذلك الوقت، فقد عزمت مُنى على أن تتغير وتجاهد نفسها لتستعيد فطرتها السوية ونقاءها الأنثوي؛ لتفتح لزوجها وبيتها نوافذ السكينة، فينعش هواؤها أركان بيتها الهادئ، وتنعم مع زوجها بالسكن والمودة والرحمة.

 

وأنتِ أيتها الزوجة الجميلة، هل ستشاركين مُنى رحلتها للتغيير؟

أحسبكِ ستشاركين وتستعيدين أنوثتك ورقَّتك وتكونين أنتِ السكن.

 
[ :: ملتقـــى شباب سبيـــس بــاور :: ]

Copyright © 2009-2025 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved