ذبح القطة ومن سيفوز في معركة القرار؟
الحياة الزوجيَّة ليست معركة تدور رَحاها داخل جُدران الزوجيَّة، نعدُّ لها العُدة، ونجهز لها الأسلحة، وليست صراعًا على كرسي القائد، ومَن يقودُ، ومن ينتصر، إنَّما هي شِرْكة بين اثنين؛ لقيام أُسرة مُترابطة.
وعلى الزوجين أنْ يعلما أنَّ القرار ليس في حدِّ ذاته هو غاية الزوجين، ومن سيأخذه، وإنَّما توعية القرار، ومدى أهميته وتأثيره على مصلحة الأسرة هو الأهم.
الأمر شورى
بالرجوع إلى السيرة العطرة، نرى أنَّه قد ثبت عنه ء صلى الله عليه وسلَّم ء أنَّه استشار السيدة أم سلمة ء رضي الله تعالى عنها ء في صُلح الحديبية، عندما أمر أصحابه بنحر الهَدْي وحلق الرَّأس، فلم يفعلوا؛ لأنَّه شق عليهم أن يرجعوا، ولم يدخلوا مكَّة، فدخل مهمومًا حزينًا على أمِّ سلمة في خيمتها، فما كان منها إلاَّ أن جاءت بالرَّأي الصائب: اخرج يا رسول الله، فاحلق وانحر، فحلق ونحر، وإذا بأصحابه كلهم يقومون قومةَ رجل، فيحلقوا وينحروا.
رغم أنَّه ء صلَّى الله عليه وسلَّم ء في غنى عن استشارة أحد؛ ولكنَّه أحب أن يتبع الرِّجالُ سنته باستشارة النِّساء، وخاصَّة صاحباتِ العقل الرَّاجح والفكر المستنير منهن.
ربان السفينة
بلا شكٍّ فالرجل هو رُبَّان السفينة، فهو المسؤول الأوَّل عن الإنفاق والإعالة؛ كما جاء في الشرع الحنيف: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34]، والزوجة حتَّى لو كانت عاملة، فلها أن تحتفظ براتبها، أو تتفضل بالإنفاق المأجور على أسرتها.
جنبًا إلى جنب
لم تعد القضية تتلخص الآن في صوت عالٍ، وانفراد بقرار؛ بل أصبحت أبعدَ وأعمقَ بكثير، فالواقع الآن يُؤكد أنَّ المرأة أصبحت جنبًا إلى جنب في كل شيء، فالزمن أصبحَ يفرضُ على المرأة واجباتٍ لم تكُن تقوم بها في الماضي، فأعباء الحياةِ المادية جعلت المرأة تخرج للعمل، ومن ثَمَّ أصبحت مشاركةً في قرار البيت، بل في أغلب الأوقات تكون هى صاحبة القرار في بعض الأمور، وفي بعض الحالات حينما يكون الزوجُ بعيدًا أو مريضًا أو حتَّى بجانبها، ولكنَّه يترك لها القرار؛ لأنَّ المرأة الآن بلا شكٍّ أصبحَ دَوْرُها مهمًّا وراسخًا في القيام بالتبعات المتصاعدة للزواج، ولعل هذا ما يفسر سبب فساد كثير من الزيجات والبيوت.
الزوجة (السوبر) وقرارات حتمية
فتجد الآن الزوجة تُمارس أدوارًا متعددة، فهي تتابع تربية الأبناء ودراستهم، سواء في البيت أو المدرسة، وتذهب معهم لتدريباتِهم بالنادي، وتراجع الأطباء إذا مرض أحدُهم، وتقوم بشراء كل مُستلزمات المنزل إذا كان عملُ زوجها لا يوفِّر له الوقت لذلك إلى جانب عملها المضني في البيت، وأعرف أمَّهات تعمل فترتَيْن؛ من أجل جبر النَّفقات حين يَمرض الزوج، أو يتقاعد لظروف أو غيره.
إنَّها مسؤوليَّة الحياة الزوجيَّة بجسامتها وفروضها، التي فرضت على الزَّوجة أن تَحمل لقب (زوجة سوبر)؛ مما يجعلها ندًّا حقيقيًّا للزوج؛ ولكنَّها بالطبع ندٌّ شريكٌ، ندٌّ مشاورٌ ومُعاون ومُساند، لا ندَّ له حقُّ القوامة.
هكذا هي صفات المرأة العصريَّة، التي تتأقلم على أيِّ وضع، فهي على قَدْر المسؤوليَّة، سواء كان القرار لزوجها، الذي تركته له بذكائها وثِقَة في قراره، وإلاَّ سوف تتدخَّل لحماية سفينتها، التي تحملُ الأعزَّاء بكل ما تملكُ من قُوَّة، ما دامت متمسكة بقيم دينها ومجتمعها العربي المحافظ، حتَّى المرأة غير العاملة، أصبحت تبحث عمَّا يدرُّ عليها دخلاً لمساعدة الأُسرة، ليس لتعتلي دَوْر الزوج في زعامة البيت، ولكن ء بكل بساطة ء لأنها تدرك كَمَّ المعاناة التي يُعانيها الزَّوج في هذا الزمن الصَّعب؛ من أجل توفير النَّفقات، فليس عندها وقتٌ للتناطح وانتظار نتائج الرِّئاسة على مقعد ينوء بأحماله، يتمنَّى الجميعُ الخلاصَ منه.
دراسة
وقد أثبتت دراسة عن "الشِّرْكة في الأُسرة العربية" أنَّه كُلَّما ارتفع المستوى العلمي للزَّوجين، ومُستوى الدخل، ارتفعت الشِّركة بينهما.
ومن النَّتائج المشتركة للدِّراسة أيضًا: أنَّ الأعمال المنزليَّة غالبًا ما تكون على عاتق الزَّوجة، ويتشارك الأزواجُ باتِّخاذ القرار الموحد في الأمور التالية: الإنفاق، الإنجاب، الذَّهاب إلى الطبيب، سياسة تربية الأولاد، بينما تتحمل غالبُ النِّساء مسؤوليَّة تربية الأولاد، كما يوجد تفاوُت بين البلدان من حيثُ تفرُّدُ المرأة باتِّخاذ القرارات المالية الخاصَّة بها، وفيما يتعلق بطرق حلِّ النِّزاعات بين الزَّوجين اعتُبرَ الحوارُ وأسلوبُ المناقشة كمعدَّل وسطي لأجوبة العيِّنة، كما يُوجد حالاتُ نزاعاتٍ زوجيَّة قائمة على مشكلة التنافُس والتحدِّي بين الزوجين.
طبيعة متخذ القرار
دعوة للفهم
علماء النفس يؤكِّدون أنَّ الرجل يركِّز، والمرأة تعمم، فعلى الزَّوجة ألاَّ تغضب إنْ رأت زوجَها يستغرق في التفكير بمفرده، فهذه مرحلة من مراحل تفكيره، رَيْثَما ينتهي منها، سيعودُ ليشاوركِ حتَّى تتخذا القرار النهائي معًا.
وفي نهاية الأمر، علينا أن نُؤكِّد أن الاختلافات في اتِّخاذ القرارات، خلال السَّنوات الخمس الأولى من الحياة الزوجيَّة – طبيعيَّة، ينتجُ عنها التعارُف الحقيقي بين الشَّريكين، والوصول في النِّهاية إلى الانسجام الفكري والعاطفي؛ "نقلاً عن الإسلام اليوم".
موقف تربوي وتعليمي
ولعلََّّ الخللَ في قضية اتِّخاذ القرار عند المرأة يعودُ إلى عدم إعدادها لتكونَ قادرةً على فعل ذلك، أو للطبيعة الخِلْقيَّة للمرأة، التي تغلِّب العاطفة على العقل؛ لأنَّ كيفيَّة اتِّخاذ القرار في الحياة الزوجيِّة هو مَوقف تربوي وتعليمي، وخلقي قدراتي تكويني.
همستي إليكِ
لا تلتفتي للمتفلسفات والمتحزلقات والمتشدقات.
التفتي فقط للنِّداء المقدس، الذي على رأسه مصلحة أسرتك.